السبت، 28 يناير 2012

الذات وثنائية الانبهار والاحتقار


د. محمد العوضي

قبل البداية
·         إذا صعدت المنبر يوم الجمعة أخاف لهيبة المنبر ومكان رسولنا عليه السلام مخيف من نحن وماذا سنقول وهل يليق بنا أن نصعد؟ مهما كان عدد خطباتي أما مافيه ملمح فكري يجلب القلق لي وليس الخوف فكيف توازن بين الوقت والشريحة المستمعة والصدق في العطاء هل سأوفق هل سأبدأ بالأولويات؟ فتمنوا لي بالنية الطيبة على الأقل الخير

بداية
·         العادة نبدأ بالتعريف محاضرتي الذات بين ثنائية الانبهار والاحتقار، لكن لن نبدأ بتعريف هذه المصطلحات إنما سنبدأ برواية:
o        بالإجماع 2007 حاز الروائي النيجيري الكبير على جائزة البوكر وبالإجماع رواياته عالمية ويقول عنها مانديلا أنه في سجنه هذه الروايات أسقطت عنه جدر الحجز وأعطته آفاقا كثيرة وهو أشيرو آبيشي وألف رواية: (عندما ينهار كل شي) رواية قديمة وصغيرة لكن جميلة وترجمت للانجليزية عام 58 ويحكي قصة قبيلة في بداية القرن الماضي وتفاصيل حياتها وما تحب وما تكره وعاداتها ونظم حياتها وأساطيرها وعباداتها وما تقدره وتزدريه وغيرها من التفاصيل حتى إذا ما تصورتها بدأ يسرب لك المعاني أنه لا يمكن فهم قبيلة إلا أن تكون لها معنى من خلال منظومتها الثقافية والتي تعطيها اعتداد بالذات وأي شيء في غير سياقه سيعطيك معنى خطأ كما يقارن بين القبيلة وقبائل أخرى ثم يقول أن زعيم القبيلة يملك بنتا عبقرية وقوية وحريصة ومتأثرة بوالدها وفاعلة وحريصة على مستقبل القبيلة بعكس الفتى ضعيف الشخصية لا ينتمي للقبيلة بقوة هل غيرة من أخته أو طبع فيه؟ لا يتكلم عن هذا الموضوع إلا أنه يعطيك هذا البعد. ثم يأتي الغزاة بدين جديد والمستعمرون بثياب الثقافة وحقوق الإنسان فيتعاون معهم الأب وتحذر منهم البنت أنه لم يكن قصدهم إنقاذ أو تحذير وإنما مآرب أخرى بينما الفتى يندمج معهم فيمشي في الأمام وهؤلاء معه ومعهم بنادقهم فيمنّون هؤلاء الولد أنه سيكون الزعيم الجديد الذي سيغرس السلام والليبرالية وفكر السلام وغيرها من الأفكار حتى يقع الفأس بالرأس ويتمكن المستعمر من القبيلة ويصبح كالدمية في يد القبيلة.
o        وهذه القصة هي اختصار محاضرتي لأن الانبهار يؤدي إلى الانصهار ويؤدي الانصهار إلى الاندثار. هذه المعادلة ولكن هل المسألة بهذه البساطة؟
o        الهدف من هذه القصة معنى واحد: ما سماه العقاد "بالهوية الواقية" وليس الهوية التي تظل ليفخر بها كتاريخ أو بصمة للمشاركين في الحياة ، واقية من ماذا؟ سنعرف.
·          الناس تعجب برموز مختلفين وتعجب بأشخاص، وهذا الإعجاب يجعلك تفرز بما بين صح وخطأ وتشهد بملكاته، ولكن الانبهار مختلف عن التعجب، وقد يكون الانبهار بصري أو سمعي أو حسي وبماذا؟ يكون بمشاهير ورموز لأعمال ومنجزات قام بها الشخص العظيم أو المشهور أو الرمز لماذا؟ لمواهب ذاتية وقيم شخصية أو بمواقف تاريخية أو بتقنيات معاصرة لها بعد آخر يعرفها أهل الإعلام.
·         المنبهر ينصر والمنبهر به الذي بلا قيم ويغلب المصلحة ويحب الاستفادة من الانبهار لصالحه يبدأ بالاستشعار لهذا لانبهار ثم الاستصغار ثم احتقار الآخر وهذه من خطورات الانبهار.

الانبهار في المعاملة عندنا ما نتيجتها؟
·         مثلا خواجه لدينا يأخذ 40 ألف في السنة مضى بالشركة للانهيار، ثم أتوا بواحد عربي يعطونه 28 ألف بالرغم من ارتقائه بالشركة، فلماذا؟ في المطار مثلا الجواز العربي او الأجنبي تفريق في المعاملة؟ وبطاقة التعريف والجنسية وغيرها. تختلف المكانة حسبها، وهذا له دلالات بالقناعات والتي تدخل في درجات الانبهار

الانبهار في الميزان:
·         من البلادة عدم الانبهار فلا بد من الانجذاب "في البدء كانت الدهشة وإلا لما فكر الإنسان وتأمل" كما قال الفلاسفة،  وهناك قاعدة "التميز يقدر ويحترم"

وسنتكلم عن الجوانب المقبولة في الانبهار:
1.      الإعجاب بالصنعة أيا كان الصانع "فبأي آلاء ربكما تكذبان" أي النعم ولكن سياق الآيات على خلق الله العظيم وكذلك حسب العلامة الهندي الفراهي أنه الخلق العظيم والشيء العجيب الإيمان بالصنعة، ثم نبحث نحن من الصنعة للصانع.
2.      التقدير والاحترام لما صنع كالأهرامات والعجائب السبعة فلا بد من الشهادة للحاضر والغائب.
3.      ومن إيجابيات الانبهار الشعور بأهمية الآخر لإضافته للكون
4.      الشعور بالدور التكاملي للإنسانية: الإبهار الإداري والعمراني والإنساني ... الخ وهذه الانبهارات تؤدي للتكامل في الزمان الآني أو المقبل المستقبلي
5.      أهمية المحاولة والخطأ والتجاوب في مهارات الحياة المختلفة
6.      كل ما يحلم به الإنسان ممكن تحقيقه، محمد هيكل بعد رجوعه من موسكو سئل كيف الحال قال "جمد المجتمع وستسقط هذه المملكة" فسئل لم؟ قال "لأنه سقط الحلم والتطلع" فالانبهار يفتح آفاق الحلم والتطلع والعيش في عالم الممكنات التي نريد تطويرها بتسخير الكون للإنسان بفعل تفعيل مبدأ السببية.

عناصر الانبهار:
·         لما ذكرت الانبهار بصنعة ذكرت أبيات أحمد شوقي لشام بليون الذي فك لغز حجر رشيد 1432هـ وتوفي بعد ما سرق حجر رشيد ودرسوه الفرنسيون 10 سنوات أو أكثر ثم فكه من اللغة الهيلوغريفية، فقال شوقي: "في الموت ما أعيا وفي أسبابه كل امرئ  رهن بطي كتابه" إلى أن يتكلم عن شامبليون وتاريخ الفراعنة وقال "أفضى إلى ختم الزمان ففضه وحبا إلى التاريخ في محرابه ... حتى أتى فرعون بين طعامه وشرابه"، وقد أعطاني د. عمرو شريف كتابة كتاب (طب مصر القديمة) في هذاالشأن

سلبيات الانبهار:
1.      تعطل الذهن
2.      وتجعلك تحتقر ذاتك وتتجه لتعلم ما أعطاك إياه الآخر، وهذه القصيدة تذكرنا باثنين ابن الدريهم وابن القريشي
o        الكندي أول من كتب في علم التعمية ووضع أعظم منهجية لفتح الشفرة (المعميات) طريقة كمية وكيفية وابن وحشي له (شوقي المستهام في معرفة رموز الأقلام) ويقصد بالرموز اللغات وذكر 81 لغة ورموزها وبينهم الهيلوغريفية. شامبليون يعرف عدة لغات واطلع من خلال العبرية ومعرفته بها على هذا الكتاب. وكان الغرب ينفون بشكل نهائي إنجاز العرب في هذا الأمر وينسبونه لشامبليون. وبالرغم من أنهم ينفون دور المسلمين في هذا العلم جاء ديفيد كاهان وتكلم عن ابن الوحشية وأكد في كتابه أن ابن الوحشية يجب أن نقف عليه وأنه أول من كتب في التعمية ثم يأتي 3 دكاترة عرب يتفرغون لعلم التعمية ثم يأتي ديفيد كاهان ويقول أن ابن الدريهم في القرن الثامن والإيطالي البيرتي القرن التاسع ، فابن الدريهم له السبق في هذا الأمر (مفتاح الكنوز في إيضاح الرموز) وهذا نموذج من المسلمين، وانهزم المستشرقون، فالانبهار يجعلنا لا نبحث لأننا احتقرنا ما لدينا
3.      من الجوانب المرفوضة ألا أستطيع ولا أملك المعلومات، فقدان الأنا أو عدم الإحساس بـ (الألاقة حضاريا) كما سماها أحد الكتاب والإحساس بالدونية والرضا بالمعيشة بدرجة متدنية
4.      الانفصال القيمي والروحي
5.      عدم التفريق -وهي نقطة مهمة- بين معتقد الشخص وإنجازاته فيقلد في أخطائه وانحرافاته وكل شيء لأنه مبهور بعطائه ونبه الغزالي لهذا : "أن هناك من يبهر بعلومهم فيأخذ ما عندهم حتى في العلوم الإلهية فقلنا فرق بين الجوانب العلمية وغيرها".
6.      من سلبيات الانبهار رؤية نهايات الأشياء وعدم رؤية بداياتها، فهذا النجاح له بداية وإخفاقات وتجارب والتي هي أهم لأنها مفيدة:
o         فأديسون مر بـ 1000 تجربة حتى نجح، فالنجاح لم يتكون بلا بداية.
o        اليابانيون نجاحهم بعد حرب عالمية تسببت بعدم نبات الأرض وتشوه الأجنة وغيره ومع ذلك لما فرض عليهم تغيير اللغة في شروط أمريكا رفضوا فقالوا لا اللغة هوية حضارية
o        ثم النائب المغربي يقول: رئيس الدولة يقدم خطاباته بالعربي فيردون عليه بالفرنسي ودلل بشواهد مختلفة أن يأتي إلينا الانجليزي فنترجم كلامه بالفرنسي! هل يجوز الكلام باللغة الأجنبية؟ يجوز ولكن لغير ضرورة هل هو عجز أو شعور بالدونية؟ الشيخ كشك يقول: جاء واحد للإمام الجامع فسأله عن حكم الحديث باللغة الأجنبية فقال no يابني
7.      من سلبيات الانبهار التقييم الجزئي للشعوب والحضارات فتقييم جانب معين وإغفال جوانب أخرى مع أن التقييم يشمل الجوانب الاستعمارية ... الخ اليوم ظهر كتاب (نهاية مملكة الأسرة) فلديهم تهدم في الأسرة ونحن لا ننظر إلا إلى جوانب التميز.
o        الكاتب الجامايكي تخصص في تأليه الغرب وتجريم العالم الثالث وقال: إن الحضارة الغربية هي الحضارة العالمية التي تناسب كل الناس. نحن نؤمن بالعولمية وليس العالمية وفرض أجندتك على الناس وهذه مصيبة وهذا الكلام يستشهد به هينتجتون في (صراع الحضارات) أن "غرّب فحدّث" وهي جدلية لا يوافق عليها الكثيرون.
8.      من السلبيات قابلية الإيحاء: وهذا معجم اليونسكو ومعجم آخر تم عرضه وآلياته: موقف وموحي وموحى إليه، وهو ما يجعل لدى من لديه قابلية أن ينبهر
9.      الامتثال بالغير: وهذه لدى النساء بالجماعة الذين يقرؤون بالرقية.على سبيل المثال، ومنه واحد يقرأ على الناس وله عائد مادي فصار صيدلي وغيره إذا ما فائدة المستشفيات؟ هذا ليس صحيح، وطلب الرقية ليس مستحب بالدين "لا يسترقون" يدخلون الجنة بغير حساب لأنهم "يدخلون الجنة بغير حساب". فالانبهار يسبب قداسة وهالة إعلامية كبيرة لمن لا يستحق، فهنا تقديس فغير المقدس أفلا ترجع لضعفك الإنساني؟
10.  من السلبيات ما ذكره جودت سعيد فقدان التوازن الاجتماعي، والمؤمن المعاصر يؤمن أن عقيدته على حق وعصمة الأنبياء وخاتم الدين وغيره ولكنه يرى الغرب الكافر يتقدم إداريا واستعماريا وغيره فيكون هناك ازدواجية بين تقدم الغرب وتراجع الأمة التي تنتمي لهذا الدين. فكيف يوفق؟ إما أن ينسحب من الواقع أو يذوب في الآخر. والصحيح أن المسلم لا ينطلق في الحكم على الأفكار والمفاهيم من الواقع المعاش بل ينطلق المسلم من حقيقته وكيانه ومبادئه وليس ردود أفعال الآخرين، ولا بد من إسناد الإيمان بعالم الغيب والشهادة ونقدم البرهان على ما تربينا عليه شعوريا وإرثيا وتقليدا
·         حاولت القيام بعملية تطبيقية للانبهار جاء المستشرق إيكهار شورت، وعندما ذهبنا لقسم الفلسفة وصار حوار طويل ثم تكلمت عن الفرق بين العولمة والعالمية وأن الألمان هم ملوك الغرب في الفلسفة والاستشراق فعندما تقرأ لبروكل من الكاتب عن التراث العربي تتعجب مما كتبه وكميته، حتى المدرسة الألمانية نقدت الغرب من داخله، فلما مدحتُهم قلت "ولكن حضارة الغرب مادية وضد أنسنة الإنسان، فماذا يعني أن يأتي سبينوزا فيلسوف التنوير الإنسان بالحجر؟ أو بافلوف الروسي يشبه الإنسان بالكلب؟ وفرويد ظلمات النفس الشريرة؟ ونيتشه بكلام غير جيد؟ وجاك تريدا يسقط معنى نيتشه على العقائد؟ وداروين القرد؟ وآخر" ماهو الإنسان"؟ وسارتر ما أنا ومن أنا؟" فقام أحدهم من الكرسي وقال "أنت متحيز"، فقلت "لا ولكن هذا النموذج السائد والراقي"، ثم قال رئيس القسم في نهاية الجلسة: "لابد أن نتفق كفلاسفة مفكرين ألا نجعل السياسيين يتلاعبون فينا فلابد أن تكون هناك قيم أخلاقية ثابتة". فقلت له "الواقع متغير وقيمهم ليست ثابتة. والحقيقة لديهم نسبية وتنطلق من العقل وعليه تعود. ثم الفلسفة عندهم في الأخلاق آنية وبلا مرجعية كزواج الذكور وجمعية تبادل الزوجات وغيرها فأصبحوا يصوتون للا إنسانياتهم ويتنازلون عنها. فهل هناك من يعجب بنيتشه الذي ألف كتاب (موت الإله) الذي تكلم عنه راسيل إلا أن هناك انهيار؟

وأحيانا نرى الإغماض واستخدام المصطلحات أثناء الحديث حتى يظن السامع أنه ثري بالمعاني المهمة بالرغم من أنه قد لا يكون كذلك، و لنر علماءنا المتقدمين كيف انتبهوا لهذا الملمح:
o        ابن قتيبة في (أدب الكاتب) تكلم عمن ينبهرون بالسياقات المنطقية "له ترجمة تروق بلا معنى وأيم يهول بلا اسم فإذا سمع الحدث الغر (الغير مدرك لكلامهم) ... راعه ما سمع فظن أن تحت هذه الألقاب كل فائدة ولطيفة فإذا طالعا لم يكن تحتها شيء".
o        قول أبو حامد الغزالي: "صار الإغماض نوع من أنواع ..."، وسماه الاستدراج.
o        د. عبدالفتاح بركات دويدار دكتورنا في الجامعة : يشرح كتاب المواقف للعضد الإيجي، والرد على المنطقيين والكلي الطبيعي والعقلي وغيره فصعب علينا الكلام وطلبنا الإعادة فقال: الفلسفة أن يتكلم من لا يفهم إلى من لا يفهمون.
o        د. محمود شاكر: ولابد أن تقرؤون له لأنه ممن يقرأ التاريخ بطريقة صحيحة ويهدم ما قال طه حسين حول قضية معينة، وفي كتابه (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) يقول منعم تليمه قريته 3مرات. يقول: أن المستشرق نيلينو وجويدي الصغير حاولا وأنا عمري 18 سنة أن يغروني بتلك المصطلحات ولكنها فاتت عليهم، فهو أحد ممن تعتز بوجوده في أمتك، فقالوا فيه: "إذا قلت شارفنا أواخر قوله.. تدفق حتى قلنا هذي أوائله"
o        وهكذا تخلص هؤلاء من لعبة الإغماض في الكلام ودهاليز المصطلحات والتفاريع الثقافية أو مظنة صعوبة الرد على هؤلاء الأشخاص.
o        يقول إكهار سورت: إذا لم تقرأ نيتشه بالألماني فكأنك لم تقرأه للمصطلحات التي استخدمها ولهذا يقال: الترجمة خيانه فيدوخ في تفاصيل الفلسفة ثم لا يخرج بشيء
o        سليمان دنيا: حقق ودرس أكبر كتابين في تاريخ الفلسفة التهافت وتهافت التهافت وقال: "إنني أستطيع أن أكون حكما بين الاثنين ولكنني آثرت أن أكون حياديا" "لقد كان لاسم الاستشراق الإكبار والتقديس لدرجة صعوبة مواجهة المستشرقين أو الرد عليهم" كبلثيوس وبلاسينيون ونيكلسون ونيدلكير وغيرهم وكانت هذه هيبة ولكن مسكهم واحد واحد. ثم أتى أحمد زكي باشا محمود العقاد الغزالي وغيرهم ممن بدؤوا بنقد الاستشراق
o        اين القيم يرفض أن الفلاسفة حكماء وبدأ ينازع لا يستسلم
o        السيوطي ألف في نقد المنطق كما النقد اللامع وبغوا يودونه بداهيه لوجود قداسة للمنطق آنذاك
o        يقول ابن تيمية: عن المنطق: فيه مسائل كأنه لحم جمل غث على رأس جبل ... الخ
o        قول الغزالي عن ابن سينا والفارابي: أن عقيدتهم "الله الكون فاض عنه...الخ" وهذا كلام لو حكاه إنسان عن حلم رآه لظن أنه كان مريضا
o        نموذج صارخ جدا أنيس منصور: بغض النظر عن بعض الأمور إلا أنه من أسلس الناس كتابة، وفي كتيب له يذكر عن التجربة الرائعة عن الانبهار" وكنا في ذلك الوقت نمشي ندق الأرض بأرجلنا كالفيلسوف نيتشه ونرفع الرأس كجيته وننكش رؤوسنا كبيتهوفن ونضع علامة زرقاء كشبينبيلر وكنا نكح ونسعل عسى أن يخرج الدم منا كالشاعر نوفالوس" نجد أن هذا يظهر في مظهر الطالب الجامعي المتأثر بهم والانبهار حتى محى نفسه.
o        عبدالفتاح إمام يقول"أنا جرسون في قصر هيجل وكل من جاؤو بعده أخذوا منه وما نسبو إليه بما فيهم ماركس" كان عنده هيجل وبس.
o        محمد علي باشا ومشروعه البعثة والوفد الطلابي رفاعة الطهطاوي كما يؤرخ عبدالرحمن الرافعي من يسميه شاكر المؤرخ المدجن، فالطهطاوي ذكي لكنه منذ أن ركب السفية إلى باريس المتلألئة حصل أول خلل رغم حرصه وهنا نص خطير لمحمود شاكر عن الطهطاوي في الرسالة، لكن لماذا التنويريين يفتخرون به؟ "قضى هذا الولد ... من 1826 إلى 31 3 سنوات لغة ثم في تعلم التاريخ والجغرافية والفلسفة والمعادن والعسكرية وغيرها فحدثني بربك كيف تكون دراسة هذه المتفرعات إلا أن تكون كخطافة الطير". ثم قاسم أمين بعد نصف قرن تم محاولة تدجينه وفي رسالته تحرير المرأة يتكلم عن المجتمع الذكوري المنفصل عن المرأة في الحجاب وليس الحجاب، وكان  يتكلم عن تغطية الوجه ويأخذه العلمانيون على أنه السفور(كتاب جهالات عصر التنوير ورد: لو سمي الحجاب بكيني لحاربه العلمانيون أيضا) فكيف شاهد الطهطاوي هذا وانبهر ثم غفل عما حدث على أرضه من أصوات المدافع والقنابل؟ إنه الانبهار الذي يمنع وضوح الرؤية وليس كعبد الرحمن مظهر في (نهاية عمالقة في ...) فكيف كانت نهاية أولئك الفلاسفة؟ هل هي إنسانية طبيعية أم في المصحات وغيرها؟
o        التصوف مثالا وتقديس ابن عربي: ابن القيم في مدارج السالكين وابن تيمية في كتبه وغيرهم ذكروا درجات متعددة للتصوف وتقديس الأولياء، وابن عربي ذكر شيء مبهر ، ولكنه عطل ملكات نقد عبد الوهاب الشعراني مثلا ومن أول له بما فيهم الألوسي في (روح المعاني) حينما برر لابن عربي بسبب انبهاره به فعطل ملكة النقد وتقبل ما خالف النصوص الدينية. الإمام السرهندي عن أبو الحسن الندوي قال "نحن في حاجة لكلام ... نريد النص لا الفص وأغنتنا الفتوحات المدنية عن المكية" والغزالي (تراثنا الفكري) ينتقد الصوفية وغيرهم يقول: "اطلعت على ... كان نبغي أن تسمى الفتوحات الرومية فإن الروم لا يطلبون أن يندس بيننا أكثر من هذا اللغو" فماذا تفسر اهتمام وتبني العلمانيين والملاحدة وغيرهم من الصف الأول لابن عربي؟ الانبهار مهم بشرط ألا يعطل ملكة النقد عندك وخذ مثال (هدي العباد) لابن القيم، متى دخل النبي الكعبة ؟ اختلف العلماء فصار التفسير أنه دخل الكعبة أكثر من مرة فبدل أن النقد كان هناك محاولة للجمع والتأويل وهذا يه قداسة. فقال ابن القيم: "وأما الجهابذة النقاد فيرغبون عن هذه الطريقة ولا يحبون ولا يجبنون عن تغليط من ليس معصوما من الغلط ونسبته إلى الوهم". وما هكذا تأتي الدعوة ليس بالكرامات وخوارق العادات في عصر الافتتان بالعلم وهي طريقة لا علمية لا شرعية

نختم بأسماء: نماذج سريعة على قضة الافتتان:
o        ريتشارد دوكينز الذي يسوق على أنه أكبر ملحد (الجينة الأمامية) وكتاب (الساعات الأمامية) يقول "ألفت الكتاب لأنزع أنياب الصدفة" ثم تراه يطرح الصدفة المتدرجة البطيئة بطريقة رياضية، ورد عليه أبراهام جرجز وأنطوني فلوفي الذي كان 60 سنة ملحد ثم آمن وألف (رحلة عقل) ترجمة د. عمرو شريف و رد د. هاني رزق في كتابه (الجينوم البشري وأخلاقياته) و (موجز تاريخ الكون) وهو تطوري لا دارويني لأن داروين عنده الطفرة العشوائية وهي ليست لدى مؤلف (لغة الله) ومعنى كلامه أؤمن أن الله خالق ولكن خلق الكون بآلية التطور فكل دارويني تطوري وليس كل تطوري دارويني،وشريف كذلك أفرد له فصل في (كيف بدأ الله الخلق) فرد بيولوجيا ومنطقيا ورياضيا في مناقشتة الصدفة وبناء الاحتمالات المتحققة وغير المتحققة. فدوكينز عالم ومن كبار العلماء ولكننا لا نتكلم عن العلم لديه ولكن عن كلامه على قضية الأزل وغيرها من القضايا الفكرية الفلسفية والاستنتاجية.
o        هوبكينز مؤلف (الثقوب السوداء) رد عليه شخص ما في كتابه واعترف بأنه عالم ولكن الرد عليه يكون في القضايا الفكرية، فنحن لا نرد عليه في قضية تكوين أو مختبر. وهناك باسل الطائي رد عليه رد منطقي وهو عالم عراقي في علم الكلام.
o        كتاب (العلم في 25 سنة) في المقدمة يقول: "ويجب أن ندرك أن هناك أسئلة بما يتعلق بكيف وجد الكون وما قبل وجوده وغيرها ليست من قضايا العلم ويجب أن يسلم العلم لهذا ويرتاح"
o        لذلك كثيرين ممن انبهروا بالغرب ومات بعضهم على ذلك لما جاءت سني النضج نضجو كـ عبدالرحمن بدوي ألف الدفاع عن القرآن وعن محمد وغير ذلك. وهناك كتاب اسمه (عبدالرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام) ممتع جداً.
o        هناك امرأة اسمها يمنى الخولي ترجمت عدة كتب نظرية المعرفة والطبيعيات في علم الكلام وغيرها مبهرة ورائعة.

لدينا عباقرة لا أحد يعرفهم، وهذه لمحة سريعة في الحديث عن الانبهار ونختم بهذه العناصر:
·         هناك انبهار الآن بحقوق الإنسان الغربي، وبعضهم سلم بها كنصيف نصار في (الرشدية) واعتبرها مطلقة، ولكن لا بد من التفريق بين المصدر والمنبع والتطبيقات في مختلف البلدان وغيره.
·         وهناك انبها ر بالعلم ولكن الآن التعليم تغير
·         والآن ما نطلبه أن نقول: أنا مسلم يطلع على حضارات أخرى ولكن عليه قبل ذلك أن يطلع على عقيدته ويجعلها معيارا فإذا آمن عليه أن يمضي على معادلة (صـ 84 درء تعارض العقل والنقل) في الخلاف بين النص والعقل.
·         لا بد من امتصاص وفلترة ما عند الغرب وقياس موافقته لحضارتنا ثم خلق بيئات للإبداع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق