السبت، 28 يناير 2012

أنا والتغيير في حركة التاريخ


د. راغب السرجاني

- التغيير برغم من أنه سنة من سنن الله الكونية "ولقد خلقكم أطوارا" "الله الذي خلقكم من ضعف ثم ..." "وتلك الأيام نداولها بين الناس" فالتغيير على مستوى الفرد والجماعة والحضارات، إلا أن التغيير ليس سهلاً.

- الدورة الطبيعية أن تنمو الأمة ثم تصبح قوية ثم تضعف ثم تقوى

- "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فهل التغيير المقصود هنا الأفضل أو الأسوأ؟  المقصود هنا التغيير إلى الأسوأ، فقد وضعنا الله في الصورة الإيجابية والتغيير يكون إلى الأسوأ والدليل الآية "له معقبات من بين يديه ..." فيتغير الإنسان إلى الأسوأ "أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ..." فالأصل أن نعيش في نعماء الله لكن يتغير إذا تغيرنا نحن فنحن مسؤولون عن أوضاعنا السيئة والسلبية التي هي من أفعالنا. "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها..." هذه الآية نزلت في مسالة أحد فمالذي حول حال المسلمين من طلب رضا الله إلى طلب الدنيا فهنا تغير الحال.

- التغيير الإيجابي: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات .." وهنا تغير إيجابي والله يعطي الفرصة للبشر فهم أصل بداية التغيير، "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ...".

- من هو الأهم في إحداث التغيير: الفرد أو الجماعة؟
·         الجماعة هي التي تحدث التغيير، فالتغيير في واقع الأمة لا يتم إلا بجماعة متضافرة وعدد مجتمع من البشر وهذه سنة م سنن التغيير أن يجتمع الناس في تغيير الوقع السلبي الذي يعيشونه. "ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
·         الفرد هو الذي يحرك الجماعة لتحدث التغيير.
إذا أثر التغيير من الجماعة ولكن تحريك هذه الجماعة من الفرد. (صورة سرب طيور مهاجرة وأهم فرد فيها القائد). وحياة الحيوانات تفيد في أمورنا التربوية. فدراسة هذه الحيوات المختلفة خلقها واحد، وهذه المنظومة تثبت أهمية وجود ملهم ومحرك للمجموعة.

- هل غياب الفرد أخطر من الجماعة؟ أو هل الأسهل أن تخرج الجماعة فردا ملهما أم يخرج الفرد جماعة صالحة؟  الاثنين مهم ولكن الفرد أهم

- الخروج من الأزمات في القرآن الكريم: القرآن يحتوي حل كل قضايا البشر مثلا:
·         أزمة فرعون. ونلاحظ في القرآن أنه يضع منظومة يريدنا أن نحاكيها وهي أن يبدأ الإلهام بفرد (نبي) ثم تتحرك المجموعة القليلة التي تم تغييرها لتحريك المجموعة الكبيرة وهكذا، ومن ذلك وقوف قوم فرعون أمامه.
·         يأجوج ومأجوج: ذو القرنين قيمة الفرد الملهم المجدد المؤثر المغير من الحال الذي يعيشه فلم يغير بمفرده ولكن حرك الجموع الراكدة.
·         أزمة جالوت وجنوده: طالوت له مواصفات معينة "بسطة في العلم والجسم" فكان بداية التغيير بظهوره وبوجود القائد الملهم يسير الجميع معه
·         الرؤية النبوية: "إنما الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة" وقوله "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها" فقال (من).
·         منهج الصالحون:
o        أمنية عمر بن الخطاب: تمنى بيتا مملوءا برجال أمثال عبيدة بن الجراح، فلم يتمنى جيلا معينا، ولكن تمنى رجل معين في هيئة معينة يستطيع أن يحرك الجموع ويكون المجموعة الصالحة.
o        رثاء رجل بمليون رجل: وهو خالد بن الوليد: لماذا؟ بسبب عبقريته العسكرية وخططه الحربية وما هو أعلى من كل ذلك؛ القدرة على التأثير فيمن حوله حتى أصبح الجيش كله يريد أن يموت في سبيل الله فله القدرة على بث الطمأنينة في نفوس المؤمنين. ومن ذلك قوله لرجل قال "ما أكثر الرومان": "أصمت يا رجل ما أقل الرومان وأكثر المسلمين، فالمسلمون منصورون بعون الله لهم" وقوله" وكان الفرس والرومان في عيني كالذباب في أعين الناس". ومن ذلك قول أبو بكر الصديق: "والله لأنسين الرومان وساوس الشيطان بخالد بن الوليد" وأرسله بـ9000 مقاتل فانتصر بـ 5 مواقع متتالية. ولهذا يقال: "أعجزت النساء أن تلد مثل خالد؟" وكان خالد دائما يقول "نصرنا الله في موقعة كذا وكذا" وقوله "أذل الله المشركين في موقعة كذا وكذا".
o        القعقاع: أرسله الخليفة عندما اشتكى الجيش من أزمة، لماذا؟ هل لـــ
§         عقلية عسكرية فذة
§         طاقة بدنية خارقة
§         مهارة قتالية فائقة
§         قوة إيمان هائلة
§         غير ذلك؟
§         ولكن ناقص واحد ما هو؟ ما قاله الصديق "لأصوت القعقاع في جيش خير من ألف رجل" والمسألة ليست مسألة صراخ وإنما قدرته على الحشد والتحفيز والتحريك. فإذا افتقدت الجماعة الصالحة لصوت القعقاع لم تتحرك الجماعة، ولكنها تتحرك وتشحذ همما بصوت القعقاع.

- منحنى بناء أمة الإسلام:




·         نقطة بداية
·         زمن إعداد
·         نقطة نشاط (حدث يكرهه المسلمون يدخلنا بالتالي)
·         زمن وضوح الرؤية (يتمايز فيه الحق من الباطل).
·         نقطة صدام مع أهل الباطل (لابد أن يكون هناك ملهم)
·         مرحلة القوة أو زمن التمكين
·         نقطة انكسار
·         ثم نقطة بداية من جديد

- وجود الملهم من سنن التغيير ولهذا كر القرآن أفراداً مجددين ومغيري

- مثال على ظهور الملهم: ظهور الملهم في حروب الردة وهو أبو بكر الصديق الذي ظهر بالرغم من وجود كبار الصحابة وقد التقط أبو هريرة هذا الأمر وقال: "والله لولا أبو بكر استخلف ما عبد الله". فعنده الكاريزما لتحريك الأمة.

- إمكانيات الأمة الإسلامية هائلة فقد بارك الله بها وفي إمكانياتها المختلفة التي لا تحصى ولا تعد ولكن نفتقد لوجود القائد أو الملهم أو المحرك أو المجدد وهو دور من أم أدوار الجماعة الصالحة أن تكتشف الملهمين. وهو ما لفت نظر أبو هريرة.

- موقعة أحد: عندما ظهرت شائعة غياب الملهم (رسولنا عليه السلام) بدأ الناس في الانحدار "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ..." حتى قعد الناس لأن المحرك لهم قد اختفى حسب ظنهم فقال لهم ثابت بن الدحداح "لم تقعدون هكذا؟" فقالوا "مات رسول الله" فقال:  "كونوا فموتوا على ما مات عليه" فقال تعالى: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ...". فلا ينبغي الركون أو ىالقعود أو الكسل حتى مع غياب الملهم مادامت القضية موجودة. فمن الخطأ القعود إذا غاب المجدد. وهذا يبين دور الفرد الذي يسبق دور الجماعة التي لو غاب عنها إخراج فرد ملهم تضيع الطاقات وتبعثر وتصبح زوبعة في فنجان.

- من أخطر أدوار الأمة: البحث عن الملهم وإعداد القادة والمربين والملهمين والمؤثرين في الناس والقادرين على الحشد وتوجيه الناس لهدف معين "كنتم خير أمة أخرجت للناس" فلا بد من البحث عن الآثار الإيجابية دائماً.
كيف يبدأ التغيير؟
·         زمن السقوط
·         زمن الإعداد




- من أين يظهر المجدد؟ وأين يتربى؟ وأين تصاغ إمكانياته؟ هذا الملهم يربى حتى في زمن السقوط لا يرى الناس فيه نورا أبدا كالفترة التي سبقت ظهور عبدالرحمن الداخل وهي من أظلم فترات الأندلس ورباه جده وهيأه. فحتى الأسبان الذين يحتفلون بخروج المسلمين يحتفلون بيوم وفاته فلا يستطيعون إنكار جهوده. وكذلك قطز ونور الدين زنكي كلهم ربوا في ظل الوضع السيء

- السؤال الأخطر: أين أنت من هذه المنظومة؟ هل نسمع التاريخ لنتعجب من قدرة الملهمين والصحابة؟ هل فاتك القطار؟ هل ظروفك صعبة؟ هل إمكانياتك ضعيفة؟ مالذي يمنعك من دخول هذه المنظومة؟

- يوسف بن تاشفين الذي كان يحكم من أسبانيا إلى افريقية متى التزم بالإسلام وعرف الدين؟ عرفه وعنده 46 سنة من ناس يعيشون في خيام، ومن هذه الخيام القليلة انتشروا وحكموا العالم. مات وعمره 100 سنة فمر بحركة االتغيير 54 سنة. عبدالرحمن الداخل فتح الأندلس 57 سنة، فلا تقل أبدا أن الوقت متأخر أو أن ظروفك صعبة فلن تصبح مثل ظروف الشافعي الذي لم يكن يجد ورقا من فقره فكان يكتب على العظم ويرميه في جرة في البيت فألهمه الله أن يستوهب الظهور (أي الورق المكتوب عليه وظهره نظيف) أو البخاري اليتيم، أو عطاء بن أبي رباح عبد يباع ويشترى وأعور وأعرج ومع ذلك كان من أعلم الناس في زمنه حتى كان يقف في طابوره أمير المؤمنين في العصر الأموي. ولذلك ولى الله عتال بن أسيد أقل من 20 سنة لإمكانياته؛ فهذه إمكانيات الأمة لا يوجد أعرج أو أعور أو صاحب احتياجات خاصة أو صغير أو كبير فلكل دوره في الأمة.

- إما أن تكون ملهما أو تكون باحثا عن ملهم مغير لحال الأمة الإسلامية فما أحوجنا للفرد الذي يفقه دوره ويحرك الجموع لغاية نبيلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق