السبت، 28 يناير 2012

الإنسان من التكوين إلى التمكين



د. علي العمري




- الملمح الأول: التمكين والتكوين في القرآن:

التكوين:
1.      أول خاصية في تكوين الإنسان أنه مكرم "ولقد كرمنا بني آدم" ولهذا يبتعد عن المعايب، ومنه قول الفتاة لأحدهم "أما ينهاك عن تبع الصبا معاليكا" وهذه الكرامة الحقيقية أن تكون له كرامة بين الناس محفوظة بمعالي الأمور
2.      الإحسان الخَلقي "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" : "إن الله يحب أنيرى ثوب عبده ونعله جميلا" ليس الثوب فقط بل حتى النعل فعناية الإنسان هنا عناية عبودية فإن الله يحب هذا الفعل لأن فيه طاعة وقربة ومحبة لله
3.      التسخير الكوني "هو الذي يخر لكم مافي السموات ومافي الأرض" "أن الحيتان تستغفر للإنسان لأنه يصطادها وفق ما يرضي الله فهي تستغفر له وهي في داخل الماء.
4.      الإبصار الإصلاحي: جعل الله له كشافا يرى به الحق من الباطل "وهديناه النجدين".
5.      الجهاز الإحساسي: يوجد داخل الإنسان جهاز يحس به "ولا أقسم بالنفس اللوامة" التي تلومه إن أخطأ.
هذه الملامح الخمسة ملامح التكوين خلاصتها ما قاله الفيلسوف الإسلامي عماد خليل في كتاب (محاضرات في الحضارة الإسلامية): " أراد الله للإنسان أن يكون داخل معمل حضاري" .


التمكين:
ماذا يريد الإسلام من تمكين المسلم؟ 5 خصائص ووظائف:
1.      العبادة الشاملة "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
2.      العمارة الواسعة "أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها" كل لمسة في الكون من طرف الإبداع والأجر. فحتى نبينا عاش في بيت خديجة المزخرف والمزين وفي بيت غيرها البسيط.
3.      المنفعة العامة: "ليتخذ بعضكم بعضا سخريا" فكل مسخر للآخر حتى للحيوان يقول الذهبي في قصة سفيان الثوري أنه دخل على صاحبه وكان هناك عصفور في قفص فقال له لو أطلقت العصفور لحبه الحرية، فاقتنع وأطلقه، فلما مات كان هناك طائر يرفرف فوقه بجناحيه وهو نفسه الطائر التي تسبب بحريته.
4.      الشهادة الكاملة "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكنوا شهداء على الناس" وأجمل من وصفه ربعي بن عامر حين ناداه رستم فقال ما أتى بكم فكان يتوقع أن يتحدث عن أمور خاصة بالجهاد والحرب ولكنه قال "لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..." ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة" فكل شيء ضيق في الدنيا دورنا هو توسيعه للناس.
5.      السيادة الواعية أن يكون الناس سادة في الدنيا "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"  وكان لا تعني الماضي فقط ولكن تعني المستقبل والاستمرار كذلك "وكان الله قويا عزيزا" فكان ولم يزل وتعني الحال وهذا معنى الآية أي لو اتصفتم بذلك لكنتم خير أمة.
الخلاصة في هذه الخاصيات التمكينية أنها تعطي عبارة رالف بيري في آفاق القيمة "غاية وجود الإنسان أن يحقق الخبرة الجمالية" فكل هذه الأعمال من الجمال الذي دعا إليه الإسلام.


- الملمح الثاني: كيف نظر الفكر الإسلامي والغربي المعاصر للإنسان ؟
·         محمد عبده "الإنسان عالم صناعي" أي سخر الله له كلما في الأرض ليكون عالما منتجا وهذه نظرة واعية منه لخلق الله للإنسان. فقال "إن الأعمال الكبيرة البدينية إنما تصدر عن الملكات والعزائم الروحية".
·         الفكر الغربي ينعكس في قول الفيلسوف المسيري في مقالته قبل وفاته بـ 3 ساعات (الإنسان والشيء): أن الفلسفة الغربية تقوم على تجزئة الإنسان ومن لطائف المقالة يقول كنت في فريق كرة السلة المصري والمدرب يطلب منا عندما نلعب مع الآخرين ونتفوق عليهم أن نسمح لهم أن يفوزوا حتى لا يكون هناك صراع، وينقل قصة أخرى للاعب سلة أمريكي يقول أنه له أسبوع كامل يقول له تحكم في غذائك لأسبوع كامل فحوله إلى إنسان مشيع لمصلحة اللعبة.


- الملمح الثالث: وهو أهم محور: 9 أجزاء في الإنسان بين التكوين والتمكين في الأرض:
1.      العقل أو الدماغ: في دماغ الإنسان 14 مليار خلية قشرية و100 مليار خلية استنادية وهذه الخلايا لم تعرف وظائفها بعض وإنما نحرك بعضها للعمل في الدنيا، ويوجد منبت 300 ألف شعرة تحوي كل واحدة من الشعر البصلة والغدة الدهنية والصبغية وغيره "هذا خلق الله فأروني ماذا ..." وظائف الدماغ 3 الحفظ و التحليل والاجتهاد والاستنباط:
a.       الحفظ  وهو نوعان:
                                                               i.      حفظ المعلومات: ونحن بحاجة للحفظ يوميا ولهذا كان أئمة السلف يحفظون الكتب مئات المرات ومن المعاصرين من يكرر 30 و 40 مرة لنفس المعلومة، فهو شيء أساسي وله ركيزته.
                                                             ii.      حفظ الذات للمواقف: حفظ المواقف الجميلة.
b.      التحليل والاجتهاد والاستنباط: ولحظاتنا أمتنا اليوم انهيار في هذه الأمور في الاجتهاد وكان السلف أكثر منا مرونة واستنباطا واليوم هو أقسى من هذه النواحي ونحن اليوم في انغلاق عقلي في الجانب العقدي والعقلي. فالإمام أبو حنيفة اجتهد في بعض المسائل واعترض عليه وحورب ليس من السلطان فقط بل حتى العلاء الآخرون، والإمام مالك حورب من السلطان من أجل بعض المسائل فقال "من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني ... طلاق المكره لا يقع" فأوذي لآرائه وأقواله. والإمام الشافعي الذي اشتهر في القديم والجديد، والإمام الأشهب المالكي كان يقول في سجوده "اللهم أمت الشافعي" لأنه أتى بأمور جديدة ولكن بقي فقههم مخلد، وهذا الاضطهاد الفكري للاجتهاد وكذلك الإمام أحمد . "تعجبت من حال الزمان وأهله فما أحد من ألسن الناس يسلم" كما هو حال الزمخشري وأرجو ألا يكون حالنا كذلك.
c.       3 نتائج للعقل:
                                                               i.      العقل الزماني: عقول الناس على قدر زمانهم.
                                                             ii.      العقل الجمعي: أن يكون هناك التكوين الجمعي للمنظمات والمؤسسات وغيرها "نصف عقلك مع أخيك" للإمام الشافعي، فكيف إذا كانت مؤسسة وحزبا؟
                                                            iii.      العقل الجمعي (مع أنه مكرر إلا أن هذا ما سمعته من الدكتور وربما يقصد التجميعي): الذي يحيط بالدين من جميع جوانبه وهذا العقل الذي سينصر الأمة في الحديث أن المثنى أتى لرسولنا فقال "إنما نزلنا على عهد أخذه كسرى ألا نحدث حدثا وألا نؤوي محدثا ..." فقال رسولنا "ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق وإن هذا الدين لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه". وهذا الحديث هو معنى الوعي في الأمة أن العالم والمفكر والداعية والمدرب وغيرهم ولكن يحيط بالدين من جميع جوانبه.
2.      العين: الدماغ يرتبط بحركة العين ولذلك وظائف العين القراءة في المسطور والمنظور:
a.       المسطور: وأجله كلام الله "من سره أن يحبه الله ورسوله فلينظر في المصحف" قراءة هذا القرآن ومافيه من دلائل
b.      قراءة الثقافة العامة "حب القراءة من النعيم المعجل للمؤمن في الدنيا" ابن باز.
c.       قراءة الكون والكعبة "تمتعوا بالكعبة" "تمتعوا من هذا البيت" الكعبة مجوفة ليس فيها كنوز ولكنها الرمز الذي يشع على المؤمن فيتعلق بهذا البيت ورحمة الله على الأميري حين قال الكعبة ليست قيمتها بأحجارها والقرب من خالقها ليس في تشبث بأسرارها وإنما في جمعها لأمتنا من كا أنحائها ومصدر أنوائها وكعبة المؤمن في قلبه يطوف أنى كان في دارها. فهو ينظر للكعبة تشع في نفسه هذه اللمسات الروحانية الإيمانية. وكذلك التأمل في البر والبحر وذكر الله الذكر القلبي والداخلي ورحم الله من قال "فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما ولى عنا لغيرنا ..."
3.      الأذن: يوجد فيها 30 ألف خليه سمعية لنقل أدق الأصوات ويوجد في الدماغ جهاز يقيس التفاضل الزمني فتعرف هل هو من الخلف أو اليمين أو اليسار ووظائف الأذن: الحق والخير والجمال:
a.       الحق: تسمع الكلمة قد لا ترضيك ولكنها كلمة حق. منه قول مالك: "تذكرت قول تعالى :" وإذا قيل لهم اركعوا فركعت" حين سألوه لم أجبت قول الصغير لك أن اركع بالرغم من اختلاف مذهبنا عن مذهبهم؟.
b.      الخير: حين سماع النصيحة الطبية يقبلها. أبو حنيفة كان يصلي الليلة أحيانا ويتركها أحيانا فأشار أحدهم إلى أبو حنيفة وقال هذا الذي يقوم الليل فأصبح لا يترك قيام الليل متاثرا بكلمة الصغير اللطيفة من الخير
c.       الجمال: يروي الصينيون أن هناك طفلة تحت الأنقاض بعد حادثة ويحاولون أن يتكلموا ويصيحوا ولكن لم تستجب فأتى طفل وقال لماذا لا نغني وننشد ففعلوا فتجاوبت الطفلة ورددت معهم فانتشلوها.
4.      الفم: جهاز حساس حوله الغد وتحته الشفاه مرتبطة بعضلات ورافعات وخافضات غايته التمكينية عجيبة فهل مر على سمعنا أن الأكل قد يؤدي إلى طاعة الله  أو معصيته، يقول أحد العلماء"إذا أكلت الحلال أطعت الله شئت أم أبيت وإذا أكلت الحرام عصيت الله شئت أم أبيت".
5.      الخد: الأوداج: نتعجب أن نجد أن نبينا يضحك ويبتسم حين لحظات معصية الآخرين لربهم مثل قصة ذلك الرجل آخر واحد يدخل الجنة فيعترف بذنوبه صغارها ولا يستطيع أن ينكر فلما ينتهي العرض يقول الله لملائكته مرو بعبدي إلى الجنة فيفرح الصحابي فلما يرى الود يقول يا رب لم تعرض علي كبائر الذنوب فيرد الله سترناها عليك في الدنيا ونسترها في الآخرة فيضحك الصحابي ويضحك النبي عليه السلام.
6.      اللسان: في سطح اللسان 9000 نتوء وقي لمعرفة أنواع الطعام وكل حرف ننطقه يسهم في تكوينه 17 عضلة فتبارك الله أحسن الخالقين. وظائفه 3: الحق والخير والجمال:
a.       الحق: أصعبها وهو قول الحق  
b.      من وظائف اللسان ذكر الله تعالى، والقرب من الصالحين ودور العبادة يؤثر على حياة القلب "والله يا أهل بغداد دمتم كلكم بخير إن دام معروف بخير" وهو معروف اليغدادي كما روى ابن حنبل. فكان ربيعة يحاول مرافقة النبي فرآه يكثر الذكر ثم طلب مرافقته بالجنة.
c.       وظيفة الجمال: الفن وهي أمتعها للإنسان، وهناك نقطتين:
                                                               i.      الفنون كانت طبيعية في حياة المسلم بدون أسباب. حين ينشد "طلع البدر علينا" كل القبائل، وحين تأتي إحدى النساء وتقول إني نذرت لله أن آخذ الدف وأضرب فوق رأسك وأغني فقال "أوفي بنذرك". ابن تيمية حسن لفظ وأغني وجوز غناء الحرائر للرجال بالسمت المعروف فقد كان العلماء يتجلون في أقوالهم وهذا القول في الفتاوى. فقد كان الفقهاء أكثر مرونة وسعة.
7.      القلب: مضخة تعمل دون كلل أو ملل وتضخ 8 أمتار مكعبة في اليوم الواحد، ووظائفه 2: النية والشوق:
a.       النية: "غدو على حرد قادرين" الإمام القاسمي يقول عندما يتكلم الإنسان وهو مسرع لا يستطيع إيضاح الصوت أما هؤلاء يتكلمون ويتحدثون وهم يهرولون "ألا يدخلن اليوم عليكم مسكين" فما حصل بعد هذه النية؟ "قد رجعوا أذل منه مسكنة وخذلانا". وعندنا نية القلب في الغيبة مؤثرة على السلوك
b.      الشوق: يقول رسولنا كل ليلة"أسألك الشوق إلى لقائك" يقول ابن القيم لم يسأل رسولنا رؤية الله مباشرة وإنما الشوق إلى لقائك.
8.      اليد: فيها 17 عظاما تؤدي 5 أدوار:
a.       الرمز: الصورة الرمزية حينما يحمل أحد الصحابة العلم ويحرك به.
b.      الصورة : الرسم "جدارا يريد أن ينقض" أسند الفعل للجد
c.       الحيوية.
d.      الثقافة
e.      العلم
9.      الفرج
10.  الجلد

** الصورة من صفحة أ.بثينة الإبراهيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق